سورة الكهف - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{الحمد لِلَّهِ الذى أَنْزَلَ على عَبْدِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم {الكتاب} القرآن، لقن الله عباده ووفقهم كيف يثنون عليه ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي نعمة الإسلام، وما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} أي شيئاً من العرج والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان، يقال في رأيه عوج وفي عصاه عوج، والمراد نفي الاختلاف والتناقض عن معانيه وخروج شيء منه من الحكمة {قَيِّماً} مستقيماً وانتصابه بمضمر وتقديره، جعله قيماً لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة، وفائدة الجمع بين نفي العوج وإثبات الاستقامة وفي أحدهما غنى عن الآخر التأكيد، فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند التصفح، أو قيماً على سائر الكتب مصدقا لها شاهداً بصحتها {لّيُنذِرَ} (أنذر) متعدٍ إلى مفعولين كقوله: {إِنَّا أنذرناكم عَذَاباً قَرِيباً} [النبأ: 40] فاقتصر على أحدهما، وأصله لينذر الذين كفروا {بَأْسًا} عذاباً {شَدِيداً} وإنما اقتصر على أحد مفعولي (أنذر) لأن المنذر به هو المسوق إليه فاقتصر عليه {مِن لَّدُنْهُ} صادراً من عنده {وَيُبَشّرُ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ} أي بأن لهم {أَجْرًا حَسَنًا} أي الجنة، {ويبشر} حمزة وعليَّ.


{مَّاكِثِينَ} حال من (هم) في {لهم} {فِيهِ} في الأجر وهو الجنة {أَبَدًا وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} ذكر المنذرين دون المنذر به بعكس الأول استغناء بتقديم ذكره.
{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أي بالولد أو باتخاذه يعني أن قولهم هذا لم يصدر عن علم ولكن عن جهل مفرط فإن قلت: إتخاذ الله ولداً في نفسه محال فكيف قيل {ما لهم به من علم} قلت: معناه ما لهم به من علم لأنه ليس مما يعلم لاستحالته وانتفاء العلم بالشيء إما للجهل بالطريق الموصل إليه، أو لأنه في نفسه محال. {وَلاَ لائَبَائِهِمْ} المقلدين {كَبُرَتْ كَلِمَةً} نصب على التمييز وفيه معنى التعجب كأنه قيل: ما أكبرها كلمة! والضمير في {كبرت} يرجع إلى قولهم {اتخذ الله ولداً} وسميت كلمة كما يسمعون القصيدة بها {تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} صفة ل {كلمة} تفيد استعظاماً لاجترائهم على النطق بها وإخراجها من أفواههم، فإن كثيراً مما يوسوسه الشيطان في قلوب الناس من المنكرات لا يتمالكون أن يتفوهوا به بل يكظمون عليه فكيف بمثل هذا المنكر {إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا} ما يقولون ذلك إلا كذباً هو صفة لمصدر محذوف أي قولاً كذباً {فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ} قاتل نفسك {على ءاثارهم} أي آثار الكفار، شبهه وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به وما تداخله من الأسف على توليهم برجل فارقه أحبته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجداً عليهم وتلهفا على فراقهم {إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث} بالقرآن {أَسَفاً} مفعول لهُ أي لفرط الحزن، والأسف المبالغة في الحزن والغضب {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا} أي ما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً} وحسن العمل الزهد فيها وترك الاغترار بها. ثم زهد في الميل إليها بقوله:


{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا} من هذه الزينة {صَعِيداً} أرضاً ملساء {جُرُزاً} يابساً لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة، والمعنى نعيدها بعد عمارتها خراباً بإماتة الحيوان وتجفيف النبات والأشجار وغير ذلك.
ولما ذكر من الآيات الكلية تزيين الأرض بما خلق فوقها من الأجناس التي لا حصر لها وإزالة ذلك كله كأن لم يكن قال: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أصحاب الكهف والرقيم} يعني أن ذلك أعظم من قصة أصحاب الكهف وإبقاء حياتهم مدة طويلة، والكهف: الغار الواسع في الجبل والرقيم اسم كلبهم أو قريتهم أو اسم كتاب كتب في شأنهم أو اسم الجبل الذي فيه الكهف {كَانُواْ مِنْ ءاياتنا عَجَبًا} أي كانوا آية عجباً من آياتنا وصفاً بالمصدر أو على ذات عجب {إِذْ} أي اذكر إذ {أَوَى الفتية إِلَى الكهف فَقَالُواْ رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ رحمةً} أي رحمة من خزائن رحمتك وهي المغفرة والرزق والأمن من الأعداء {وَهَيّئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا} أي الذي نحن عليه من مفارقة الكفار {رَشَدًا} حتى نكون بسببه راشدين مهتدين، أو اجعل أمرنا رشداً كله كقولك (رأيت منك أسداً) أو يسر لنا طريق رضاك {فَضَرَبْنَا على ءاذَانِهِمْ فِى الكهف} أي ضربنا عليها حجاباً من النوم يعني أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأَصوات فحذف المفعول الذي هو الحجاب {سِنِينَ عَدَدًا} ذوات عدد فهو صفة لسنين. قال الزجاج: أي تعد عدداً لكثرتها لأن القليل يعلم مقداره من غير عدد فإذا كثر عُدَّ فأما {دراهم معدودة} [يوسف: 20] فهي على القلة لأنهم كانوا يعدون القليل ويزنون الكثير {ثُمَّ بعثناهم} أيقظناهم من النوم {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ} المختلفين منهم في مدة لبثهم لأنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك وذلك قوله {قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} وكان الذين قالوا {ربكم أعلم بما لبثتم} هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول، أو أي الحزبين المختلفين من غيرهم {أحصى لِمَا لَبِثُواْ أَمَدًا} غاية. و{أحصى} فعل ماض و{أمدا} ظرف ل {أحصى} أو مفعول له، والفعل الماضي خبر المبتدأ وهو أي والمتبدأ مع خبره سد مسد مفعولي (نعلم). والمعنى أيهم ضبط أمداً لأوقات لبثهم وأحاط علماً بأمد لبثهم؟ ومن قال: (أحصى) أفعل من الإحصاء وهو العد فقد زل لأن بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس. وإنما قال: {لنعلم} مع أنه تعالى لم يزل عالماً بذلك، لأن المراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم ليزدادوا إيماناً واعتباراً، وليكون لطفاً لمؤمني زمانهم، وآية بينة لكفاره. أو المراد لنعلم اختلافهما موجوداً كما علمناه قبل وجوده.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8